سعادة خفاجي تكتب..خرافة الراحة
الحدثلطالما اعتقدت أن النضج والكبر في السن يمنحاننا القدرة على التحمل والتعامل مع صعوبات الحياة بشكل أفضل. كنا نسمع عن أسطورة النضج، تلك الفكرة الخادعة التي تدعي أن مع مرور الوقت نكتسب الحكمة والقوة النفسية الكافية لمواجهة التحديات. لكن، في كثير من الأحيان، نجد أن الواقع يعاكس هذه الفكرة تمامًا.
مع تقدمنا في العمر، نجد أنفسنا في كثير من الأحيان أكثر عرضة للعواطف، وأكثر قلقًا وتسرعًا. نشعر برغبة ملحة في جني الثمار، ربما بسبب إدراكنا المتزايد لتسرب الوقت من بين أيدينا. وكأن كل لحظة تمر تزيد من وطأة قلقنا، وتضيق أمامنا مساحات الخيارات المتاحة.
تتقلص قدرتنا على تحمل القلق والتفكير في احتمالات متعددة، وتصبح معاييرنا أكثر تعقيدًا، وكأننا نواجه أخطبوطًا من الخيارات المتشابكة. نحن أكثر صدمة من تصاريف الزمن، وأكثر هشاشة أمام تقلبات الحياة. كل حدث، مهما كان بسيطًا، يمكن أن يبدو كزلزال يغير مجرى حياتنا. نحن نعيش في حالة من الترقب، نتوقع الأذى والمفاجآت في كل لحظة.
في خضم هذه الفوضى، يبدو أن "الراحة" التي نسعى إليها هي مجرد خرافة. نعيش في حالة من الاستجداء للراحة، ونعشعش في عقولنا فكرة أنه ربما تأتي لنا الأيام بما نتمناه. نحاول إقناع أنفسنا بأن هناك شيئًا ما يمكن أن يهدئ من روعنا ويمنحنا السكينة. لكن، هل هي فعلاً موجودة؟ أم هي مجرد وهم نرسمه في عقولنا لنخفف من وطأة الواقع؟
أظن، وبعض الظن فطنة، أن الراحة ليست سوى سراب. إنها فكرة نرسمها في خيالنا، ونحاول أن نتعلق بها كوسيلة للتخفيف من مشاعرنا المتضاربة. لكن، هناك شيئًا عبقريًا في فتح الأصابع والتسليم بأن كل الخيارات -سيئها وجيدها- واحد. إن إدراكنا بأن الكل باطل الأباطيل ولا منفعة تحت الشمس يمكن أن يكون بداية لراحة حقيقية، ليست قائمة على انتظار لحظة مثالية، بل على قبول الواقع كما هو.
في النهاية، ربما تكون الراحة مجرد خرافة، لكنها خرافة تستحق أن نتأمل فيها. ربما علينا أن نعيد النظر في مفهوم الراحة، ونتعلم كيف نجد السلام في الفوضى، وكيف نتقبل الحياة بكل ما فيها من تحديات وصعوبات، بدلاً من انتظار لحظة موعودة لن تأتي.