12 مايو 2025 02:38 13 ذو القعدة 1446
الحدث
رأي الحدث

صفوت عمران يكتب: «بص العصفورة» .. الإلهاء وخداع الجماهير !!

صفوت عمران يكتب بص العصفورة
صفوت عمران يكتب بص العصفورة

يقول الكاتب الأمريكي الشهير ناعومي تشومسكي في كتابه «أسلحة صامتة من أجل حروب هادئة» أن إستراتجية الإلهاء واحدة من 10 طرق لخداع الجماهير "الشعوب" تقوم على التحكم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والإقتصادية "أنظمة الحكم" ، ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاأت والمعلومات التافهة، وهي إستراتيجية ضرورية لمنع العامة "المواطنيين" من الإهتمام بالمعارف الضرورية في ميادين مثل: «العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب وعلم الحواسيب وغيرها»، بل وتحافظ على تشتت اهتماماتهم بعيداً عن المشاكل الإجتماعية الحقيقية، وجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية عملا بمنطق: «أجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير .. حتى يتحقق الهدف بعودة المواطن أي مواطن للضيعة مع بقية الحيوانات»، وهو ما يلخصه تعبير العامية المصرية: «بص العصفورة» في إشارة إلى سياسة الإلهاء التي تتبعها الأنظمة المتتابعة مع الشعب المغلوب علي أمره والذي لا يجد قوت يومه، ويعاني متاعب إقتصادية متعددة الأبعاد جعلته يرضخ تحت نيران الحاجة المستمر، فلا يفكر في مستقبله، ولا يشغله فساد النخبة، ولا يجد وقتا لرفض أفعالها المضرة بالمجتمع، ويظل الشعب منسحقا تحت نير الحياة القاسية التي يعاني من متاعبها اليومية والمتكررة.

المدقق سوف يكتشف أن ظهور عشرات الأزمات الوهمية والمصنوعة ليست صدفة إنما مقصودة تماما بهدف إلهاء الشعب .. أي شعب .. عن حاضره المر، ومستقبله المهدد، ومشاكله العميقة، وأزماته الكارثية، والمتابع لحياتنا خلال السنوات الأخيرة، سوف يجد اننا أصبحنا أسري للفرقعات الإعلامية الكاذبة والمشاكل الخلافية سريعة التحضير .. شديدة الإثارة .. سريعة الزوبان .. سريعة التلاشي، حيث يضيع وقت الشعب وتفكيره وقدراته بدون فائدة تذكر، في دليل جديد علي منهج الحكومات الفاشلة التي بات ينخر في جسد الوطن حيث تعمل علي ترحيل المشكلات بدلاً من مواجهتها، تعتمد علي المسكنات الخادعة بدلاً من علاج الأمراض المزمنة التي تهدد المجتمع، تعتمد علي إدخال الشعوب دوامة الإلهاء بدلاً من العبور بها نحو مستقبل أفضل، هذا هو حالنا ننشغل بأزمة مفتعلة يوماً أو يومين أو أسبوعاً علي الأكثر، ثم نتركها لننشغل في خدعة أخرى، لبعض الوقت، وتليها خدعة ثم خدعة!!، وكأننا شعب من السكارى، وفاقدي الوعي والغير مدركين لما يدور حولهم، وهو ما أهدر سنوات طويلة من عمر الوطن كانت كافية لعلاج جميع مشكلاته بدلاً من تعميقها، ولانهاءها بدلاً من ترحيلها، إلا أن كل ذلك يطاردنا بفعل الفساد المنتشر والمسيطر علي كافة مفاصل الوطن.

الواقع .. إن الوضع في بلادنا بعد ثورتين«2011، 2013» لم يتغير فالجميع يديرون الوطن بمنطق «بص العصفورة»، وبدلا من العمل علي مواجهة ظروفنا الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية الصعبة وبالغة التعقيد لدرجة تهدد بضياع الوطن - في ظل عدالة إجتماعية غائبة وفساد حاضر بقوة وحصار دولي من كل اتجاه - أصبحنا كل يوم علي موعد مع فضيحة جديدة أو أزمة وهمية لا طائل منها إلا جذب انتباه الشعب عن مستقبله، وسحبه بعيداً عن مواجهة واقعه المر، فالمواطن المغلوب علي أمره لا يكاد ينتهي من الإستماع لفضيحة أحدهم أو يشاهدها حتي يدخل في دوامة أخري في إطار سلسلة لا تتوقف من التشتيت الذهني الممنهج والمقصود بهدف إزاحة كل ما هو سياسي عن الأضواء وعدم محاسبة الحكومة عما ترتكب من جرائم في حق الوطن والشعب معاً، وإهدار مقدرات الدولة ونهب ثرواتها بلا توقف، وإفشال قدرات المصريين ومنعهم من العبور من الأزمات المتتالية، وجعلهم يكفرون بالوطن فينسحقوا داخله، أو يهاجرون خارجه.. «انظروا لارتفاع معدلات الجريمة وحالات الطلاق وهجرة العقول المميزة للخارج».

الواقع .. إن «سياسة إلهاء الشعوب» علم، وليست مجرد إجتهاد بشري .. علم يتم تدريسه على المستويين الأكاديمي والسياسي لرجال الأمن وصانعي القرارات عبر أجهزة المعلومات في كل دولة .. أي دولة .. حيث تقوم تلك الأجهزة على إبتكار مشكلة أو موقف لإثارة رد فعل معين عند الناس بعيداً عن مواجهة واقعهم المتأزم، وخلق طريق وهمي تندفع من خلاله الجماهير إجبارا، بعيداً عن الإلتفات إلي حقها في محاسبة المسئولين أو إزالتهم من مواقعهم، وفى سبيل تحقيق ذلك لا مانع من السماح بوجود جماعات إرهابية محدودة التأثير بدلاً من القضاء عليها، من أجل فرض قوانيين للأمن العام ولو حتى على حساب حرية الشعوب وأمنها، فالهدف هو منح النظام أي نظام مبرراً للأستمرار دون التزام بمسئولية تطوير المجتمع للأفضل ودون محاسبة منصفة، وأيضاً لا مانع من خلق أزمة إقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الشعب أي شعب للحد الأدنى من الحقوق الإنسانية وتفكيك بعض الخدمات العامة الحيوية عملا بما قاله هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ذات يوم: «لا تجعل الشعب المصري يجوع أو يشبع، فإن جاع ثار وأن شبع أنتبه لقضية الصراع العربى الاسرائيلي»، ولا مانع من خلق دوامة مستمرة من الشائعات المتكررة تفقد الشعب القدرة علي المطالبة بحقوقه الأساسية من سكن أدمي وعلاج مجاني وتعليم جيد وعمل مناسب وحد أدني من الوعي الثقافي والإجتماعي، لذا فإن العشرات من القصص المصنوعة يومياً بعناية أو غيرها من الأحداث التافة التي يجري تضخيمها بشكل مبالغ فيه جداً، ليست إلا خطوات على طريق إلهاء الشعب ولفت انتباهه بعيداً عن مشاكله الكبرى، وحقوقه الأساسية ومستقبله الذي بات مهدداً من كل إتجاه.

الحقيقة .. إن إستراتيجية الإلهاء تتخذ نفس الأهداف منذ عقود طويلة وتطبق بذات الطُرق، ومازلت مستمرة من أجل بقاء أنظمة الحكم حتي لو علي حساب الشعوب، فلا توجد رغبة حقيقة في ارساء العدالة والمساواة بين جميع المواطنيين في الحقوق والواجبات، لذا بات الخطاب محفوظ ظهرا عن قلب، والحجج مكررة بالكربون، والمبررات باتت "اكلشيه لا يتغير"، فعند المطابلة بإنفاذ الدستور والقانون أو التزام الحكومة أي حكومة بمسئولياتها، لن تجد إلا ذات «الأسطوانة المشروخة» بداية من الحديث عن أن البلد مستهدفة مرورا بالتحذير من الطابور الخامس والقلة المندسة وأصحاب الأجندات الأجنبية والتخربيبة وجماعات الإرهاب الممولة من الخارج - ولا ننكرر وجود ذلك كما الأيام تثبت عدم وجود رغبة صادقة في مواجهتها - وصولاً إلى خلق المعارك والأزمات الوهمية حيث يعيش الشعب واقعاً مريرا ومسرحية هزلية تتكرر بنفس الوجوه ويساعد في تمريرها نفس «الكومبارسات»، وتستخدم فيها ذات الروايات الضعيفة والمشكوك في صحتها دائماً، من أجل أن نظل في دائرة مفرغة لا مفر منها ولا فائدة من ورائها، دائرة أرهقت قوتنا، وأهدرت طاقاتنا، وأضاعت علينا عقوداً طويلة كان يمكن استثمارها في العمل والإنتاج، وسمحت بنهب ثرواتنا ومازالت، لدرجة أصبحنا فيها «شبة دولة»، و «بلد فقيرة قوي»، رغم كل ما نملكه من ثروات، وكأنهم يريدون أن نفقد الثقة في أنفسنا، وأن نستسلم للمشروع الإمبريالي الغربي بينما نحن نملك مصادر قوة لو أُديرت بالعدل سوف نصبح الدولة رقم واحد في العالم اقتصادياً وعلمياً وسياسياً.

نحن في حاجة إلى تغيير حقيقي .. ثورة مفاهيم .. ثورة عمل وانتاج .. ثورة عدالة .. ليست تكراراً لثورتي 25 يناير و30 يونيو رغم نبل أهدافهما، إنما نحتاج إلى قرارات تمنع خداع الشعب، ما نعانيه من عمليات إرهابية على مدار 8 سنوات كاملة، يكشف عدم وجود رغبة حقيقية لدي الحكومة في القضاء علي الارهاب الذي يحصد يومياً أرواح أبناء الوطن الأبرياء، وأن هناك من يستفيد من بقاء جماعات العنف والتطرف من أجل أن يستمر في السلطة والحكم، وما تعانيه من انتشار العلمانيين والملحدين والطابور الخامس وتركهم يفسدون المجتمع ويضربون ثوابت الأمة ويشككون في الدين الإسلامي، يكشف موافقة ضمنيه من الحكومة على تلك الأفعال، وأن هناك من يستفيد من بقاء جماعات الانحلال بإسم الحرية من أجل أن يستمر في السلطة والحكم، وبات علينا الإعتراف بأن شبكة الفساد أصبحت أقوي من السلطة، السلطة التي يتحالف الكثير من رجالها مع الفاسدين أنفسهم، لذا إذا أردنا العبور إلى مستقبل أفضل لا بد من علاج المشكلات بدلاً من ترحيلها، والإستفادة من طاقات الشعب بدلاً من إهدارها، والتوقف فورا عن «هوس السيطرة علي الشعب»، والعمل علي بناء قدراته وإستثمار خبراته، ووقف خطة تدجين المجتمع الممنهجة فالسلطة زائلة، والحكم غير دائم، والعمر سوف ينتهي حتما في يومٍ ما.

أخيراً .. كان الزعيم الإيطالي «ببينيتو موسوليني» مغرماً بكتاب "الحشد" لـ"جوستاف لبون" حتى أنه لا يفارقه، وعلي مدار عقود طويلة وحتي الآن مازال العديد من الحكام العرب يقلدونه، ولا يشغلهم بناء الأوطان بقدر العمل علي تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا المصيرية والتغيرات الهامة، عبر إغراق الناس بوابل متواصل من المعلومات التافهة، وتشتيت اهتمامات العامة بعيداً عن المشاكل الإجتماعية الحقيقية، علي طريقة إستراتجية الإلهاء ونظرية "بص العصفورة" الشعبية، وهو خطرا لو تعلمون عظيم، فالأجيال الجديدة - وفي ظل ثورة التكنولوجيا - لم تعد تقبل الإلهاء حتي لو عبر الآف العصافير، فالوعي الشعبي أهم مكتسبات المصريين في العقد الأخير، وأن "سياسة الإلهاء" لن تجدي نفعاً مع شعب متعطش للحرية والكرامة الانسانية والعدالة الإجتماعية وإستقلال القرار الوطني .. شعب يمتلك تاريخ عظيم ويطمح في مستقبل أفضل يستحقه .. نحتاج إلى نقطة ومن أول السطر.

صفوت عمران بص الإلهاء سياسة الإلهاء وخداع الجماهير

رأي الحدث

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 18.830318.9083
يورو​ 19.182419.2638
جنيه إسترلينى​ 22.554922.6560
فرنك سويسرى​ 19.360819.4430
100 ين يابانى​ 13.858013.9165
ريال سعودى​ 5.01595.0370
دينار كويتى​ 61.165161.5746
درهم اماراتى​ 5.12645.1481
اليوان الصينى​ 2.80762.8226

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 1,126 شراء 1,137
عيار 22 بيع 1,032 شراء 1,042
عيار 21 بيع 985 شراء 995
عيار 18 بيع 844 شراء 853
الاونصة بيع 35,010 شراء 35,365
الجنيه الذهب بيع 7,880 شراء 7,960
الكيلو بيع 1,125,714 شراء 1,137,143
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الإثنين 02:38 صـ
13 ذو القعدة 1446 هـ 12 مايو 2025 م
مصر
الفجر 03:25
الشروق 05:04
الظهر 11:51
العصر 15:28
المغرب 18:39
العشاء 20:06

استطلاع الرأي