رأي الحدث

صفوت عمران يكتب ..ترقيع وزاري

الحدث

انتظر المصريون كثيراً من أجل تغيير "حكومة مصطفى مدبولي" بعدما ثبت على مدار سنوات فشلها في وقف تدهور أحوال الناس، بل ساهمت في تعميق معاناتهم، ومع إستمرار غلاء الأسعار وزيادة معدلات الاحتكار وفقد العملة الوطنية لقيمتها وسوء إدارة ملفات التعليم والصحة، أصبحت علاقة المواطن بالحكومة سيئة للغاية، لكن مع تسريب معلومات بشكل متكرر أن رئيس الجمهورية متمسك بوجود "مصطفى مدبولي" على رأس الحكومة لحين افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، ذلك الافتتاح الذي تم تأجيله للعام الثالث على التوالي في يونيه الماضي، كان المواطن المغلوب على أمره يحلم بتعديل وزاري يشمل كل الوزراء الذين فشلوا في إدارة ملفات وزاراتهم، إلا أنه استيقظ صباح اليوم على جلسة البرلمان ولسان حاله يقول: "تمخض الجبل فولد فأر"، فبعد جلسة طارئة لمجلس النواب، وجد الناس أنفسهم أمام "ترقيع وزاري" وليس "تعديل وزاري".. فقد "اشترى الناس التروماي" بعدما كانوا يحلمون بوزراء يحققون لهم مستقبل أفضل.

منذ زمن .. كانت الدولة عندما تواجه أزمة معقده، تلجأ إلى "تغيير الحكومة" بهدف تهدئه الرأي العام، وامتصاص غضب الجماهير من سوء الأحوال المعيشية، بينما مع التعديل الوزاري الجديد، يبدو أن الدولة لم يعد يشغلها كثيراً غضب الجماهير من عدمه، ومع إستطلاع اسماء الوزراء الجدد وسيرهم الذاتية فنؤكد أننا أمام "ترقيع وزاري" وليس "تعديل وزاري" على طريقة "شالوا الدو جابوا شاهين" .. في وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، والإنتاج الحربي صعدوا نواب الوزراء لتولي الوزارة .. علاوة على المجئ بوزير ليس له علاقة بوزارته من قريب أو بعيد ذي وزير السياحة والآثار .. علاوة على أن بعض الوزارات تحولت إلى كوته محجوزة لفئات معينة مثل وزارتي الثقافة والهجرة، إضافة إلى الابقاء على وزراء بات وجودهم مستفز للمواطن، مثل وزير الاوقاف، ووزير الشباب والرياضة، وبقاء اغلب وزراء المجموعة الاقتصادية دون تغيير رغم سوء أحوال المواطنين.

عادةً .. بعد أي تعديل وزاري يأخذ جميع المواطنين خاصة الخبراء والمتخصصين هدنة، ليمنحوا الوزراء الجدد فرصة للعمل ثم الحكم عليهم، لكن هذه المرة مع بقاء وزراء فشلوا في مهامهم، والمجئ بوزراء ليسوا على مستوى المسئولية وسيرتهم الذاتية ضعيفة وغير مبشرة .. تفجرت العديد من التساؤلات .. أهمها: هل كان في الإمكان أبدع مما كان؟ أم أن هناك اعتذرات كثيرة واجهت التعديل الوزاري الذي تم بعد عام من بدء الحديث عنه؟ وهل الأسماء التي جرى تداول خروجها ثم بقت مثل وزراء الاوقاف والمالية والشباب والرياضة .. لا يوجد بديل لهم؟، وفي بلد يعاني أزمة اقتصادية طاحنة هل لا يوجد خبراء اقتصاديون قادرون على إخراجنا من هذه الأزمة لدرجة الابقاء على وزراء المالية والاستثمار والتعاون الدولي؟ هل وزير الزراعة الذي أرهق الفلاحين يستحق البقاء؟ هل وزراء الكهرباء والتموين يستحقون البقاء؟ وغيرهم وغيرهم.

القراء الأولية للوزراء الجدد محبطة وتؤكد أن "الطبخة الوزارية خرجت نية واتعملت باستعجال" .. طالب المصريون بإقالة وزير التربية والتعليم طارق شوقي والآن يطالبون بمحاكمته، فهل كان الحل أن يأتي التعديل الوزاري بنائبه رضا حجازي؟! فهل هذا معقول؟! .. فقد كان حجازي شريك الوزير في مذبحة الثانوية العامة وفي كل ما حدث داخل وزارة التربية والتعليم من تخريب على مدار السنوات السابقة فهل ننتظر منه جديد؟ .. هل المجئ بنائب وزير التعليم العالي محمد أيمن عاشور يمكن أن يحل المشاكل التي تعاني منها الجامعات المصرية أم أن الأمر لا يعدوا كونه تصعيد مع إستمرار الوضع على ما هو علية؟، وطوال 5 أشهر أو اكثر تولى خالد عبدالغفار الإشراف على وزارة الصحة إلى جانب عمله وزيرا للتعليم العالي ما الإنجاز الذي قدمه ليكون وزيراً للصحة؟ يبدو أننا لم نتعلم الدرس فمصر لم تعدم الكفاءات الطبية حتى نأتي بطبيب اسنان وزيراً للصحة!!.

ويبقى السؤال .. ما علاقة أحمد عيسى ابوحسين مدير قطاع التجزئه في البنك التجاري الدولي بـ"وزارة السياحة والآثار"؟! هل انعدمت الكفاءات في القطاعين لنأتي لهما برجل بنكنوت؟ هل سوف تتحول السياحة والآثار في مصر إلى شركة يديرها مدير مالي؟ بصراحة اختيار غريب، لكنه يبدو منطقياً في بلد يدير بنكها المركزي "طارق عامر" أحد خريجي كلية الآداب، الذي سبق أن بشر المصريين عند تعويم الجنيه في 2016 أن الدولار هيصبح بـ 4 جنيه، وفي الأخر اكتشفنا أن " الجنيه غرق" حتى بلغ الدولار الواحد نحو 20 جنيهاً .. فهل سيأتي بعد سنوات من يشكوا من ضياع قطاع السياحة والآثار على طريقة فقدان الجنيه المصري أكثر من 60% من قيمته منذ 2016 وحتى الآن؟!.

في الوقت نفسه ولاهمية قطاع الري والمواد المائية وعلاقته بـ"الأمن القومي المصري" باعتباره قضية وطنية بامتياز، وتزيد أهميته في ظل أزمة "سد النهضة الاثيوبي"، وجدنا رئيس الحكومة خالف التوقعات وجاء لنا بدكتور من الجامعة الأمريكية في القاهرة هو: "الدكتور هاني عاطف سويلم" ليتولى حقيبة الري والموارد المائية، وهو ما أثار قلق الكثيرين خاصة أن التجارب السابقة مع ابناء تلك الجامعة غير مبشرة، لذا اتمنى أن يدير الوزارة برؤية وطنية وليس رؤية امريكاني متعالية على مصر والمصريين؟ واتمنى أن يختار الحلول الصحيحة، وليس استسهال الآمر في قراراته، وتحميل المسئولية كلها للمواطن المغلوب على أمره، كما فعل اغلب زملائه من ابناء الجامعة الامريكية؟!.

الغريب .. في الوقت الذي نحارب فية الطائفية والمخطط الغربي لتحويل الدول العربية لدول طائفية ومذهبية، وتقسيم المجتمع إلى فئات متصارعه ومتناحرة، نجد مصطفى مدبولي حول الحكومة المصرية إلى كوته وطائفية بشكل غريب، فهل معقول من بين كل المسحيين في مصر لا يوجد كفاءة لتولي أي وزارة أخرى غير وزارة الهجرة والمصريين في الخارج، فبعد نبيلة مكرم عبيد، تأتي سها سمير ناشد، والمفارقة أن الوزارة للمرة الثانية ومنذ إنشاءها يتولاها امرأة، ربما يرى البعض أن اختيار وزيرة مسيحية لتولي وزارة الهجرة والمصريين في الخارج من أجل التعامل مع ملف أقباط المهجر؟! ولهؤلاء وغيرهم نقول .. اجعلوا الكفاءة فقط معيار اختيار الوزراء ونؤكد أن بين المسيحيين كفاءات عديدة مؤهلة لتولي العديد من الوزارات بعيد عن مبدأ المحاصصة والمسكنات .. أيضا للمرة الثانية على التوالي يتم تعيين سيدة وزيرة للثقافة، حتى باتت وزارة الثقافة محجوزة ضمن كوتة المرأة في الحكومة، بعد المهذبة الراقية إيناس عبدالدايم، فوجئ المثقفون باختيار الدكتورة نيفين الكيلاني عميدة معهد النقد الفني باكاديمبة الفنون وزيرة للثقافة، ومع تقديرنا للسيدة نيفين يبقى السؤال: هل بين مثقفين مصر لا يوجد من يستحق أن يكون وزيراً للثقافة بدلا منها، حيث لا يعرفها الكثيرون في الوسط الثقافي والفني، أم أن منح الوزارة لكوتة المرأة هو من رجح كفت الوزيرة الجديدة لتصبح ثاني امرأة على التولي تعين وزيرة للثقافة؟!.

اما وزير التجارة والصناعة الجديد أحمد سمير صالح الذي كان رئيسا للجنة الاقتصادية في مجلس النواب، نسأل: ماذا قدم من نجاحات في الملف الاقتصادي داخل البرلمان بما يحقق مصالح المواطن على مدار عامين حتى يتم اختياره وزيرا للتجارة والصناعة خاصة في ظل الغضب الواسع من اداء مجلس النواب؟، فهل تعيين الوزير مكافئة على فشله داخل مجلس النواب؟!، ويبقى وزير قطاع الاعمال الجديد محمود مصطفى كمال عصمت في اختبار صعب حيث يأتي في ظل سياسات وزير سابق عمل بكل قوة لتصفية قطاع الاعمال فهل يستكمل ما بدءه سلفه أم ينقذ قطاع الاعمال من سياسات البيع والتخريب؟! .. هذا ما سوف تكشفه الايام، بينما يبقى تعيين أمين عام اتحاد عمال مصر حسن شحاته، وتعيين قائد القوات الجوية الفريق محمد عباس رئيس وزيرا للطيران، وتعيين نائب رئيس الهيئة القومية للانتاج الحربي اللواء محمد صلاح وزيرا للإنتاج الحربي، وتعيين أحد المحافظين وكان محافظا للبحيرة اللواء هشام آمنة وزيرا للتنمية المحلية ليس إلا تكراراً لما جرت علية العادة في تصعيد العاملين في هذه الاماكن إلى "مقعد الوزير" في تكرار لما كانت تشهده اغلب الحكومات المصرية السابقة دون جديد يذكر.