رأي الحدث

صفوت عمران يكتب: مصر إلى أين .. لماذا تهدمون تاريخ مصر مقابل مباني خرسانية؟! .. ومن يرد على المخاوف الشعبية من تنفيذ المخطط ”الصهيوماسوني” على أرض الكنانة؟!

صفوت عمران
صفوت عمران

كل يوم تطالعنا الأنباء بطول مصر وعرضها عن هدم أثر تاريخي وتغيير معالم آخر .. هدم مساجد عمرها مئات السنين.. أو إزالة حديقة يمتد عمرها إلى قرون طويلة .. بيع عقارات وسط البلد التاريخية لشخصيات مجهولة، وهدم مباني غيرها بدون إعمال القانون .. واقتلاع الأشجار التاريخية في عموم الجمهورية على ضفاف النيل وداخل المدن وفي عواصم المحافظات بدون مبرر منطقي، بل في بعض الطرق تم استبدال الأشجار بـ"النخيل"، ولا ادري اذا كان نخيلاً صناعياً أم نخيلاً طبيعياً، فهو في كل الأحوال نخيل لا يثمر ولا ينتج اوكسجين؟! ..كل ذلك يتم بالتوازي مع إغلاق الكثير من المؤسسات الثقافية والفكرية والصحف التي تزيد سنوات وجودها في مصر عن تواريخ تأسيس وإقامة دول إقليمية كثيرة، بالتزامن مع استيلاء أصحاب مشروع "تطوير بولاق أبو العلا" المجهولين على جزء من أراضي وممتلكات مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري المعروف إعلامياً باسم "ماسبيرو" دون مبرر منطقي، وسط تكهنات أن تلك الممارسات غير القانونية ليس إلا تمهيداً لتنفيذ مخطط "إغلاق ماسبيرو وبيع المبنى"، ذلك المبنى الذي كان مركز صناعة الإعلام المصري وأحد أبرز مصادر قوة مصر الناعمة، ومازال منذ تأسيسه عام 1959 شاهداً على تاريخ مصر الحديث والمعاصر...

اقتلاع يتجاوز عشوائية القرار أو فساد الإدارة، اقتلاع وإغلاق وإزالة تمتد آثارها على كامل رقعة الوطن .. كامل رقعة الوطن دون إستثناء .. وتكرار هذا المشهد بشكل شبه متطابق يؤكد أننا أمام خطة منظمة لطمس تاريخ وهوية مصر تمهيداً لـ"الغزو الاستعماري القادم" والذي تتحدث عنه تقارير إعلامية متعددة مرة باسم "الماسونية"، ومرة بـ"الاستعمار الجديد"، ومرة ثالثة بـ"الصهيونية العالمية" .. وإن كان ثلاثتهم وجوه لعملة واحدة!!.

تصاعد الأنباء خلال الأيام الماضية عن هدم حديقة انطونيادس التاريخية بالإسكندرية وتحويلها إلى مجمع كافيهات لتنضم إلى غيرها من الحدائق التاريخية التي تم تحويلها إلى كتل خرسانية، يؤكد مجددا أن الأمر يتجاوز التفكير الاستثماري، وأننا أمام مخطط حقيقي ينفذه البعض عن قصد أو جهل لتدمير تاريخ مصر، مخطط هدفه: اخفاء وطمس معالم الحضارة المصرية .. مخطط يتم تنفيذه في مختلف أنحاء الجمهورية وكل يوم نطالع جزء منه .. تكرار الأمر يؤكد أننا أمام مخطط يتجاوز عشوائية مسئول أو سوء تقدير موظف .. فنحن أمام خطة ممنهجة للقضاء على تاريخ مصر بشكل يشبه ما فعله الرومان عند حرق مكتبه الاسكندرية وسرقة كنوز التاريخ والعلم المصري القديم، وما كان يفعله التتار في البلاد التي تم احتلالها في العصور الوسطى، ويشبه ما يفعله الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1917 حتى الآن.. حيث تقوم كل تلك الخطط على طمس الهوية والمعالم التاريخية كمقدمه لتزييف التاريخ وبالتالي تغيير الجغرافيا.. لذا نؤكد دائما وابداً أن التاريخ والجغرافيا مهمان جداً ودراستها ومعرفتهما ضرورة بوصفهما علمان لا غنى عنهما لحاضر الأمم ومستقبلها.

ويبقى السؤال .. لماذا يسعون بكل قوة لاخفاء معالم مصر التارخية؟! هل المقصود إلغاء كل أثر تاريخي وحضاري وتحويل مصر إلى مجموعة من الكتل الخرسانية حديثة الانشاء فتفقد مصر وجهها التاريخي .. حتى يسهل بعد ذلك سرقة مصر الأرض والجغرافيا .. فبلد بلا أثر تاريخي يسهل سرقتها وتزييف حاضرها ومستقبلها.. بل ويسهل نفى مرور أصحاب تلك الحضارات الراسخة من هنا.. وقد يأتي أشخاص آخرين يدعون أنهم أصحاب الأرض الحقيقيون كما يفعل الصهاينة في فلسطين المحتلة منذ 1948 .. وكما نشاهد من تزييف للتاريخ والجغرافيا في العديد من البلدان العربية المجاورة، بل بعض أهل تلك البلدان يذكرون روايات خيالية لا تمت للواقع بصلة، رويات مزيفة عن تاريخ أجدادهم وحضارة بلادهم، لغزو الوعي الجمعي للأجيال الجديدة عبر اغراقنا بآلاف الرسائل اليومية في مختلف منصات الإعلام التقليدية والحديثة .. في تكرار خطة الشيطان القائمة على قاعدة: "الزن على الودان أكثر تأثيراً من السحر".

الحقيقة .. من قصر المنتزة بالإسكندرية إلى قصر اندراوس بالأقصر مروراً بتشويه وهدم حدائق بورسعيد، وحدائق المريديان بالقاهرة ثم تشويه حدائق الجيزة التاريخية وقطع الأشجار النادره من الشوارع المصرية يصبح من حقنا أن نسأل.. ماذا يحدث بالضبط؟! .. بعد هدم العديد من الآثار التاريخية، وظهور مئات الآلاف من القطع الأثرية المصرية في مختلف متاحف العالم وآخرها متحف اللوفر في ابوظبي.. يصبح من حقنا أن نسأل.. هل ما يحدث صدفة وبدون ترتيب أم ما خفي كان أعظم؟! هل كتابة عبارة "إزالة" على قبر الدكتور طه حسين بدعوى توسعة إحدى الطرق كما حدث على مدار السنوات الأخيرة مع مقابر المماليك وعدد كبير من الشخصيات التاريخية منها السادة طبطبا أو السبع أطباء بالفسطاط، وهناك مخاوف من هدم مسجد سيدي رجب ابوخليل بالفسطاط بعدما تم إغلاقه دون مبرر، فهل يتراجعون عن إغلاق المسجد بعد تصاعد غضب سكان المنطقة بعدما تم التراجع عن هدم قبر عميد الأدب العربي بعد الغضبة الشعبية، وادعاء محافظ القاهرة أن قبر طه حسين لم يكن هناك مخطط لإزالته دون أن يقدم مبرر مقنع لوجود كلمة "إزالة" على القبر!! .. ويبقى السؤال .. ماذا يفرق قبر طه حسين عما قبله من مقابر تاريخية تم هدمها رغم أنها مصنفه ضمن الآثار المصرية؟!.

هل الأنباء التي تردد عن إتجاه الحكومة لتأجير إدارة منطقة الأهرامات الأثرية لشركة صهيونية حقيقي؟! ولماذا تصمت الحكومة عن مثل تلك الحكايات؟! وما مدى خطورة هذا في ظل ادعاء صهيوني تم تفنيده على مدار عقود، بأن بني إسرائيل هم من بنوا الأهرامات وليس القدماء المصريين، في محاولة متكررة لتزييف التاريخ!! .. وإذا صدقت تلك الروايات واستيقظ المصريون على خبر تولي شركة صهيونية إدارة منطقة الأهرامات ماذا سيكون مصيرنا، وكيف نسلم تاريخنا للصهاينة لإدارته؟!، وإذا صدق ذلك، فهل نكرر ما فعله حكام الإمارات الذين سلموا بلادهم للتحالف "الصهيوماسوني" واصبحوا عرابهم في المنطقة تنفيذاً لقاعدة: "المال مقابل الولاء".. هل نكرر خطورة ما تم عند استيلاء الإسرائيليون على الأرض الفلسطينية عبر وسيط تذكر وثائق أنه رجال مال من الإمارات .. كانوا عبارة عن ستار للصهاينة فهل يتكرر ما تم في فلسطين مجددا في مصر بعد تصاعد وتيرة شراء الإماراتيين والسعوديين والقطريين لشركات ومؤسسات مصرية، ووقتها نفاجئ أن العدو الصهيوني الذي رفضنا دخوله من الباب جاء لنا من الشباك عبر الاصدقاء العرب الذين أصبح ولائهم لعروشهم وكروشهم فقط؟!.

هل طمس تاريخ مصر بدعوى البناء والتعمير والتطوير وبناء كباري وإقامة كافيهات وعمارات شاهقة صماء بدلاً من المناطق التاريخية، أمر بدون ترتيب أم أن كل شئ مخطط له جيداً؟! ..هل تحويل ميدان رمسيس أشهر ميادين القاهرة إلى سوق عشوائي ملئ بالاكشاك أمر صدفة؟! هل إنتشار الأكشاك العشوائية في معظم شوارع وسط البلد التاريخية مقصود أم نوع من "البيزنس الطفيلي" الذي طفح على قلب العاصمة خلال ال 10 سنوات الأخيرة، ويديره مجموعة من المرتزقة دون أن يحاسبهم أحد أو يواجههم أحد في ظل ظهور عدد كبير من المسئولين تديرهم عقلية السبوبة؟!!...

الواقع .. أن تلك الممارسات تدور حولها الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام من الناحية الحضارية والتاريخية وسط عالم يموج بالصراعات ويشهد ترتيبات لا حصر لها لتنفيذ ما يسمى بـ"حروب نهاية الزمان"، كذلك نحتاج من الحكومة إجابة واضحة عن الجدوى الإقتصادية لتلك الانشاءات، والرد على الإتهامات التي تطال السلطة التنفيذية بسبب عيوب التنفيذ في الكثير منها وارتفاع التكلفة بشكل يصل في بعض الأحيان إلى إضعاف القيمة الحقيقية لها، خاصة أن عيوب التنفيذ الذي ظهرت في بعض الإنشاءات الحديثة فتحت الباب على مصراعية حول ضوابط استلام تلك المشروعات، وهل يمكن محاسبة من استلمها دون مراجعة دقيقة؟! فقد تجاوزت الأزمة الجدوى الإقتصادية، واصبحنا نتحدث عن التقدير الجزافي للكثير من المشروعات بشكل يصل إلى دفع الدولة أضعاف تكلفتها الحقيقية، لدرجة أن العامة أصبحوا يتحدثون عن وجود رشاوي وعمولات في أغلب ما يتم تنفيذه من إنشاءات، مما سبب بلبلة في الرأي العام، وهو ما يستوجب ردود واضحة من الأجهزة الرقابية والسلطة التنفيذية على كل ما يتم تداوله .. ردود واضحة تكشف للناس ما يتم على أرض مصر حيث يشعر المصريون بالقلق على حاضرهم ومستقبلهم في ظل تلك الممارسات!! ..

بعد كل هذا وغيره .. نسأل هل المقصود أن يتم إذابة التاريخ المصري وتصبح مصر بلا هوية .. بلا تاريخ.. مما يفتح أبواب المحروسة على مصراعيه أمام ما يعرف بـ"الإستعمار الجديد".. بدورنا نكررها لكل رجل رشيد .. لكل رجل يخاف على الوطن .. بعد كل ما يحدث ونشاهده كل يوم .. ونسأل مصر إلى أين؟!

صفوت عمران