صفوت عمران يكتب: الاسلام والجزية والانتشار بحد السيف .. المعلومات المغلوطة والفتنة الكاذبة ونشر النزعة العرقية.. نعرف عن رونالدو وميسي ونيمار أكثر مما نعرف عن أنفسنا
الحدثفي تلك الحرب العقائدية التي تسيطر على العالم منذ عقود بعيدة يعمل «خصوم الإسلام» كـ«دين ونظام حكم» من الدول الاستعمارية والحركة الصهيونية على إستخدام مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» في تمرير أجندة متفق عليها لـ«كسر الرابط الذي يجمع 1.8 مليار مسلم حول العالم» عن طريق إثارة النعرات الطائفية والعرقية خاصة في منطقة الشرق الأوسط... بهدف ابعاد العرب المسلمين عن أسباب وحدتهم وإدخالهم في صراعات مدمرة من خلال إغراق شعوبنا بوابل من المعلومات الكاذبة والمغلوطة والمضللة .. «معلومات تفرق ولا تجمع .. تزرع الانقسام وتخلق الصراعات وتنهي الوحدة .. تثير الكراهية وتقضي على المحبة» لدرجة أن الشباب العربي يعرف عن رونالدو وميسي ونيمار وامبابي أكثر مما يعرف عن دينه وبلاده.. كل ذلك وغيره يتم عبر آلاف من «الاكونتات المزيفة» التي تحمل أسماء عربية يتم التحكم فيها من داخل مقرات أجهزة الاستخبارات العالمية، ويساعدهم في تنفيذ تلك الأجندة عملاء وخونه رهنوا ولائهم لمن يدفع «مال وسلطة»، الغريب أن هؤلاء يعيشون بيننا ويتحدثون وهم يرتدون ماسكات الوطنية والقومية ويحملون أسماء عربية.. نعم اسماء عربية بل وإسلامية في الكثير من الأحيان.
الغريب ...أن هؤلاء بعدما فشلوا في إثبات إنتشار الإسلام في الجزيرة العربية وخارجها بحد السيف «يكفي ذكر قصة إسلام أهل سمرقند كمثال على عظمة الإسلام والمسلمين في واقعة لم تتكرر في التاريخ»، بدأوا في تعزيز النعرة العرقية وادعاء أن الكثير من الشعوب المسلمة دخلت الإسلام خشيت دفع الجزية، والايحاء أن سبب دخول شعوب شمال افريقيا وغيرها لـ«الإسلام» جاء حتى لا يدفعون الجزية، ويتصاعد الأمر مع كل إنتصار حتى لو كان في ساحة كرة القدم، فوجدنا من يقول: «المغاربة امازيغ وليسوا عرب» وظهر ذلك بوضوح عندما ظهر المنتخب المغربي بشكل مميز في بطولة كأس العالم الأخيرة وهو الأمر الذي يتكرر في الكثير من المناسبات .. وهذا أمر مضلل لأسباب عديدة....
أولا: الحديث الكاذب عن «انتشار الإسلام بحد السيف .. غير منطقي، وغير مبرر، ومضلل»، حيث استمرت بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم 23 عاماً .. منها 13 سنة كانت الدعوة سرية سلمية دون قتال، بل تعرض فيها المسلمون الأوائل لشتى أنواع التعذيب وصمدوا وتمسكوا بدينهم، ثم تلاها 10 سنوات بداية من الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة وحتى عام خطبة الوداع، وفيها لم يغزوا النبي وصحابته أرض بالقوة بل كانوا في مرحلة دفاع عن النفس وصولاً إلى «فتح مكة» الذي تم دون قتال أيضاً.. إذن الدولة تأسست دون عدوان منذ يومها الأول واعتمدت على الدعوة السلمية للبشر كافة حيث أن كل نبي بعث لدعوة قومه فقط بينما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعث للعالمين.. ولهؤلاء نقول: عليكم الإجابة عن السؤال .. كيف اسلم شعوب دول شرق آسيا ولم تصلهم جيوش المسلمين؟، والواقع أن إسلامهم تم بعدما وصلتهم أخلاق التجار المسلمين، كيف أسلم اهل سمرقند؟.. الواقع أن العدل هو سبب إسلامهم، لماذا وضع الإسلام شروط لدخول أي بلد «لا تقتل امرأة أو طفل أو رجل عجوز .. لا تعتدي على الحرمات.. لا تقطع شجرة .. لا تسرق .. والأهم لا تقاتل من لم يقاتلك» .. كما أن الإسلام لم يفرض على رعايا الدولة الإسلامية الدخول في الإسلام وخيرهم بين الإسلام والجزية..
#إذن ما هي الجزية وهل هي اختراع إسلامي؟!
ثانياً: يردد البعض أن المسلمين في بعض الدول مثل شمال افريقيا وغيرها دخلوا الإسلام خوفا من دفع الجزية .. وهو قول باطل لعدة اعتبارات .. بداية الجزية لم تكن تفرض على كبار السن ولا النساء ولا الاطفال ولا المرضى.. وكانت تفرض على الرجل البالغ صحيح البدن بمقدار دينار واحد فقط كل عام .. وهو أمر كان يسير مقابل الحماية والأمن والاستفادة من مقدرات الدولة لأنه في العصور الأولى من عمر الدولة المسلمة لم يكن من يدفع الجزية يدخل الجيش.
كما أن الإسلام لم يكن بدعاً بين الأديان عندما فرض الجزية، كما لم يكن المسلمون بدعاً بين الأمم حين أخذوا الجزية من الأمم التي دخلت تحت ولايتهم، فقد فرضها الرومان على كل من كان تحت حكمهم مثل فرضها على أقباط مصر، الأنبياء عليهم السلام حين غلبوا على بعض الممالك بأمر الله ونصرته أخذوا الجزية من الأمم المغلوبة، بل إن بعضهم استعبد الأمم المغلوبة، كما صنع النبي يشوع مع الكنعانيين حين تغلب عليهم: «فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر، فسكن الكنعانيون في وسط افرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية» (يشوع 16/10)، أي أنه جمع لهم بين العبودية والجزية.
وأمر المسيح سيدنا عيسى بن مريم أتباعه بدفع الجزية للرومان، وسارع هو إلى دفعها، فقد قال لسمعان: «اذهب إلى البحر وألق صنارة، والسمكة التي تطلع أولا خذها، ومتى فتحت فاها تجد أستارا، فخذه وأعطهم عني وعنك» (متى 17/24-27).
ولما سأله اليهود (حسب العهد الجديد) عن رأيه في أداء الجزية أقر بحق القياصرة في أخذها .. فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين: يا معلّم نعلم أنك صادق، وتعلّم طريق الله بالحق، ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس.. فقل لنا: ماذا تظن، أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟ .. فقال لهم: لمن هذه الصورة والكتابة .. قالوا له: لقيصر .. فقال لهم: أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر، وما للّه للّه" (متى 22/16-21).
ولم يجد المسيح غضاضة في مجالسة ومحبة العشارين الذين يقبضون الجزية ويسلمونها للرومان (انظر متى 11/19)، واصطفى منهم متى العشار ليكون أحد رسله الاثني عشر (انظر متى 9/9).
ويعتبر العهد الجديد أداء الجزية للسلاطين حقاً مشروعاً، بل ويعطيه قداسة ويجعله أمراً دينياً، إذ يقول: «لتخضع كل نفس للسلاطين، السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله...حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة... إذ هو خادم الله، منتقم للغضب من الذي يفعل الشر، لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضا بسبب الضمير.. فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضاً، إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه، فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام" (رومية 13/1-7)
ثالثاً: الحديث عن دخول بعض الأعراق والأجناس الإسلام حتى لا يدفعون الجزية .. فهذه رواية غير صحيحة والا يكون أصحابها يهينون هذه الأعراق والأجناس ويتهمونهم بأنهم باعوا اديانهم هرباً من دفع دينار واحد في العام بينما المسلمون الأوائل رغم كل تعذيب قريش لهم وأيضاً حصارهم في شعب ابوطالب، ووهم أشخاص مسالمون لم يتنازلوا عن دينهم، وعندما ذهبت قريش لاغراء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالمال تارة وبالملك تارة.. ليترك الإسلام ودعوته للدين الإسلامي، قال عبارته الشهيرة: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الدين ما تركته".
رابعاً: اليوم ليس أهل مصر مصريون قدماء أو عرب فقط، وليس اهل الجزائر والمغرب امازيغ او عرب فقط.. فهذه المناطق المختلفة هاجر إليها عرب واوربيون وافارقة وتركمان وارمن وغيرها من مختلف الأعراق والأجناس وكونوا شعوبها الحالية إذن الحديث العرقي هدفه الفتنة وليس الاعتزاز بالجذور ولا بد أن ننتبه لهذا جيداً.. انتبهوا لما يجمع وليس الذي يفرق.
خامساً: «الناس على دين ملوكهم» قاعدة كانت تحكم أوروبا منذ دولة الإغريق وروما لذا المسيحية لم تدخل أروبا على نطاق واسع إلا عام 380 ميلادية بعدما آمن بالمسيحية بعض الحكام الأوروبيون بينما كانت منتشرة في الشرق الأوسط وآسيا بشكل يسبق ذلك بكثير .. وقبل ذلك كان الناس يبعدون آلهة الغريق وملحدون تبعاً لدين ملوكهم .. إذن ليست قاعدة إسلامية .. بل جاء الإسلام كدين عالمي بعظمته ومنح البشر فرصة الاختيار طواعيه بين الدخول في الإسلام والالتزام بكل ما يلتزم به المسلم من واجبات بما فيهم الانضمام للجيش والدفاع عن الدولة ودفع الزكاة وغيرها وبين البقاء على دينك مقابل الجزية وهي دينار واحد في العام كما قلنا سابقاً.. وبذلك أنهى الإسلام قاعدة: الناس على دين ملوكهم.
سادساً: الجزية لم تكن اختراع اسلامي فقد كانت نظام عالمي يطبق في كل أنحاء المعمورة بل كان من يدخل دولة الروم او الفرس من التجار يدفع مقابل التجارة والأمن، وكانت روما تفرض على الشعوب التي تحكمها ومنها مصر والسودان بإرسال الغلال وغيرها من الخيرات وكان تفرض ضرائب باهظة على الشعوب اكبر بكثير من سعر الجزية بل وكانت تضطهدهم دينيا وتمنعهم بالقوة من مخالفة دين الملك كما كان يحدث من اضطهاد الرومان للمسيحيين في مصر، حيث كانت روما وقتها وثنية، لذا يرجع البعض ترحيب أهل مصر المسيحيين، بقدوم عمرو ابن العاص والمسلمين حتى يتخلصوا من اضطهاد وظلم الرومان.. ثم ترك المسلمون لأهل مصر كامل الحرية في البقاء على اديانهم أو الدخول في الإسلام، وهو ما يفسر اليوم بشكل واضح ترابط عنصري الأمة المصرية مسلمين ومسحيين نتيجة تاريخ طويل من المحبة والإخاء، وفشل جميع محاولات زرع الفتنة بينهما.
سابعاً: كانت الجزية تفرض على الأشخاص الرجال البالغين غير المسلمين ويعفى منها النساء والأطفال وكبار السن والمرضى مقابل الحماية وهي دينار واحد مهما بلغت ثروة صاحبها بينما يفرض على كل مسلم الزكاة بكل فروعها لصالح بيت المال.. وطبعا مقدار الزكاة كان يرتفع وفقا لحجم ثروة صاحبها، إذن لو الأمر مادي بحت كان الكثيرون سوف يفضلون عدم دخول الإسلام حتى لا يدفعون الزكاة التي تزيد عن مقدار الجزية بكثير.. لذا دخول الإسلام كان إيماناً بالدرجة الأولى وعن قناعة دون إجبار استمراراً للمنهج النبوي الذي ظل 13 سنة يدعوا صحابته للإسلام سراً قبل الهجرة، و10 سنوات يدعوا سلما بعد الهجرة، ولم يحملوا سيفا إلا لدفع إعتداء أو مواجهة ناقض للعهد وغادر بالمواثيق.
ثامناً: الإسلام كدين أشمل واعم من القبلية فهو مظلة يقف تحتها شعوب واجناس من كل بقاع الدنيا، وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحية، لذا محاول تقسيمنا إلى شعوب وقبائل بعدما أعزنا الله باخوة الإسلام ليس إلا محاولة يقف ورائها الاستعمار والصهاينة لتفتيت وحدتنا .. ونقول لهم: في كل مكان في العالم إنما نحن مسلمون إخوة أيا كانت جذورنا .. ونذكر أنفسها بقوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾.