20 أغسطس 2025 08:31 25 صفر 1447
الحدث
رأي الحدث

صفوت عمران يكتب: مصر والغرب .. صراع التبعية والزعامة

صفوت عمران يكتب
صفوت عمران يكتب

في ظل الأزمة الأوكرانية وصراع روسيا مع الغرب تسأل الكثيرون أين تقف مصر؟! .. وللإجابة على هذا التساؤل الصعب علينا معرفة أن السيطرة على مصر - باعتبارها قلب الشرق والعالم الإسلامي - هدف للدول الغربية الكبرى منذ زمن بعيد، خاصة منذ صلح وستفاليا 1648، الصلح الذي كان ظاهره وقف الحروب بين الدول والممالك الأوروبية، وجوهره اتفاق تلك الدول: «بدلاً من الصراع والقتال بين الأشقاء الأوروبيين، يمكن أن تتجه أوروبا إلى تقاسم ثروات دول آسيا وأفريقيا وهي التي تكفي جميع الأوروبيين المتحاربين»، فأصبح نهب ثروات القارتين ثم انضم لهم نهب قارة أمريكا اللاتينية لصالح أوروبا والولايات المتحدة «في وقت لاحق» هدف استراتيجي يحكم العالم، لذا اتفق الفرقاء الغربيون على منع إقامة أي دولة قوية في «الثلات قارات» الذين كانوا ومازالوا منهوبين من الدول الغربية، وبات أضعاف دولهم، وإشعال الفتنة والحروب بين جنباتهم ومنع كل وسائل التقدم والاستقرار فيهم هدفاً استراتيجياً غربيا حتى الآن.. وهنا تكمن خطورة ما يحدث في أوكرانيا والخوف أن تتحول أوروبا ساحة لحرب مفتوحة قد تصبح حرب عالمية ثالثة كما حدث في السابق.

وفيما يتعلق بمصر، مع نهاية دولة المماليك وبداية ضعف الدولة العثمانية، كانت فرنسا تتحين الفرصة لاحتلال أرض الكنانة، لذا رفضت مع روسيا مساعدة «شيخ العرب همام» حاكم الصعيد القوي في حربه ضد المماليك لمنعه من إقامة دولة قوية في مصر، وفضلت مساعدة غريمه «علي بك الكبير» لادراكها أن صراع المماليك يُسهل على باريس إحتلال مصر، إنما ترك «شيخ العرب همام» يقيم دولة عربية مسلمة قوية على أنقاض الدولة العثمانية أمر يعيق الحلم الاستعماري الفرنسي المخطط له منذ عقود، وبالفعل استمرت دولة المماليك في الغرق داخل مستنقع الانقلابات المتكررة، وكل والي يحكم مصر يتم قتله من منافسيه، حتى جاءت الحملة الفرنسية 1798 لتحتل مصر بكل سهولة إلا أنها خرجت سريعاً مرغمه بسبب صراع النفوذ مع بريطانيا التي كانت طامعة في مصر أيضاً، وكما فشلت حملة نابليون فشلت حملة فريزر البريطانية 1803، بعدها تولى محمد علي حكم مصر 1805 في نقلة نوعية مختلفة بسبب دور المصريين القوي في وصوله للسلطة، ودور المصريين في اختيار من يحكمهم كان حدث يتم لأول مرة منذ أمد بعيد بعد سنوات طويلة من التبعية للخلافة العثمانية «1517 - 1805»، بعدها تخلص محمد علي من كل خصومه، حيث تخلص من كل المماليك وقتلهم وطرد أسرهم، والقضاء على نقيب الأشراف وكل صوت يمكن أن يمثل معارضة لحكمه، حتى يستقر الحكم له، بل وجاء بالأطفال الأيتام والكثير من ضعفاء النسب ليكونوا نواة دولته الجديدة، وذلك حتى يكون ولائهم لـ«ملكهم الجديد محمد علي باشا» مقدم على كل ولاء، وأخلاصهم له يسبق كل شئ سواه، فقد منح «محمد علي باشا» رجاله جميع المناصب القيادية، والأموال، وبعث بالكثير منهم إلى الخارج لتحصيل العلم، ثم في مرحلة لاحقه ألحق الكثير من أبناء خاصته في الجيش ليكونوا رأس حربة مشروعه التوسعي، واللافت أن تلك الطريقة في الحكم إستمرت تتكرر مع كل حاكم يتولى حكم مصر، وفقا لقاعدة: «صناعة الولاء يسبق الخبرة والكفاءة»، وهي معضلة نحتاج التخلص منها حقاً لأن الولاء بدون كفاءة تكون آثاره السلبية كارثية على الدولة.

ومع تقدم مشروع «محمد علي باشا» إلى الأمام بدأت مصر تسترد دورها المحوري وتتوسع شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، وأصبحت «مصر العظمى» إلا أنه في عام 1840 يظهر الغرب مجددا لمنع مصر من إقامة دولة قوية على أنقاض الدولة العثمانية التي كانوا يصفونها بـ«رجل أوروبا المريض» وكانوا يسعون إلى إلتهامها قطعة قطعة، وتدخلت روسيا وبروسيا وبريطانيا والنمسا لإجبار «محمد علي باشا» على التخلي عن مشروعه، والاكتفاء بحكم مصر وراثياً، واستمر الأمر، حتى مجئ «الخديوي إسماعيل» الذي كان لديه مشروعاً قوياً جديداً لبناء مصر القوية الحديثة والممتدة جنوباً وشرقاً، فاغرقوه في الديون، ثم قامت بريطانيا باحتلال مصر عام 1882 إحتلال مباشر وطرد «الخديوي إسماعيل» من الحكم، مع إبقاء حكم مصر وراثي شكلي لأسرة محمد علي، بينما في الواقع كانت بريطانيا تتحكم في كل شئ داخل مصر منذ ذلك التاريخ.

مع اندلاع ثورة 1919 الشعبية المصرية الخالصة ضد الاحتلال الإنجليزي، والتي تعد أم الثورات الشعبية لمقاومة المحتل في قارات آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية، ومع تصاعد مكتسباتها، في ظل تحول عالمي واضح مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وجد الإنجليز، أن الأمر لن يستقيم لهم، إلا بتفعيل مبدأ فرق تسد التاريخي، وبالفعل انطلقت انجلترا وكل دول الاستعمار الغربي - بتلك الفترة - في صناعة الإتباع والمريدين في كل دولة، واغراءهم على حساب اوطانهم، بالمنح والهدايا والامتيازات، ولأن العقيدة الدينية في المجتمع المصري راسخة والتي جسدها وحدة المسلمين والمسيحيين في مواجهة المحتل تحت الشعار الساحر: «عاش الهلال مع الصليب.. الدين لله والوطن للجميع» .. أدرك البريطانيون أن هزيمة المصريين لن تتم إلا بتفتيت وحدة الشعب المصري، وضرب عقيدته في مقتل، فكان القرار عام 1928 باستخدام «حسن البنا» لإنشاء «جماعة الإخوان» بعدما حصل على 500 جنيه من السفارة البريطانية بالقاهرة لذلك الغرض، وكان يعمل في تأسيس جماعته تحت رعاية المملكة المتحدة، لاستخدامها ورقة ضد الملك تارة، وضد وحدة الشعب المصري تارة أخرى، وكانت البداية بعد إعلان عدائها لـ«حزب الوفد» - مصدر ثقة المصريين وعنوان وحدتهم - تحت ادعاء أنه لا حزبية في الإسلام وأن نظام الأحزاب السياسية بدعة أجنبية لا يعرفها الإسلام، وكان ذلك جزء من مخطط بريطاني لضرب «حزب الوفد»، كما أنه ولأول مرة يعرف المصريون قتل بعضهم البعض بعدما كان المصريون لا يعرفون إلا مقاومة الإحتلال، وذلك عندما تورط الإخوان في اغتيال عدد من الشخصيات المصرية منها اغتيال أحمد باشا ماهر رئيس وزراء مصر الأسبق عام 1945 اعتراضاً على رغبته مشاركة مصر لجوار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، واغتيال محمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر عام 1948، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم عبد الهادى عام 1949، وقتل المستشار أحمد الخازندار بعد إصداره حكم ضد عدد من شباب تنظيم الإخوان المتورطين في إحدى القضايا.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت الدول الغربية تعاني من زيادة المقاومة ضدها في الدولة التي تقع تحت الإحتلال ووجدت أن فاتورة الإحتلال المباشر باهظة، لذا اتفقت تلك الدول على أن مغادرتها لأي بلد لا يتم إلا من خلال ترك رجالها على رأس الحكم في تلك الدول، وزرع رجالها في جميع مفاصل الدولة.. أي دولة .. لضمان استمرار مصالحها، واستمرار استنزاف ثروات تلك البلاد ونهبها، لذا تم خلق ما يعرف بالتوافق الضمني والاتفاق السري بين الدول الكبري فيما عرف بـ«تقسيم الرعاية»، حيث أن كل دولة كانت مُحتلة واستقلت تظل تحت رعاية الدولة التي سبق أن احتلتها، وفي إطار نفوذها مع وجود بعض الاستثناءات الضيقة بعد ظهور دولتين بحجم امريكا "ابنة بريطانية الكبري" والاتحاد السوفيتي "وريث روسيا القيصرية" في المجتمع الدولي، فأصبحت الدول خاصة في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية مثل الأندية لكل منها "سبونسر من الدول الكبرى" أي راعي.

في الحالة المصرية رصدت بريطانيا، منذ البداية تنظيم الضباط الأحرار، وتحركه ضد الملك الذي بات حليفاً مزعجاً ولا يمكن لها الاعتماد عليه، بل ورتبت للتخلص منه، خاصة بعد قيادته الجيوش العربية المحاربة لليهود في فلسطين، وبات الملك يعمل ضد المشروع الإنجليزي في الشرق الأوسط، واللافت أن عبدالناصر ورفاقه تواصلوا مع جماعة الإخوان صنيعة بريطانيا، بل هناك روايات تقول أن عبدالناصر وعدد كبير من قيادات تنظيم الظباط الأحرار اقسموا يمين الولاء لمرشد الإخوان وكانوا أعضاء في الجماعة، ولم يذهبوا للتحالف مع حزب الوفد الذي كان يمثل في ذلك الوقت القيادة الشعبية للمصريين، ربما لإدراك عبدالناصر ورفاقه أن التحالف مع الوفد لن يجعلهم يحصلون على موافقة دولية على تحركهم، خاصة في ظل عداء تاريخي بين حزب الوفد وبريطانيا دولة الإحتلال، وفي ذات الوقت ظهرت أمريكا كشريك لبريطانيا في رعاية مصر بعدما سلمت بريطانيا طواعية عدد من الملفات للولايات المتحدة الأمريكية بنتها المدللة، بوصف القاهرة محورية ومهمة في الشرق الأوسط، وهي مفارقة غريبة أن يجتمع الثلاثة في معادلة واحدة "الضباط الأحرار - الإخوان - بريطانيا".

وتقول مصادر.. أن ثورة يوليو 1952 تمت بعد تواصل بين عبدالناصر ورفاقه مع السفارة الأمريكية بالقاهرة، والتي نجحت في تحييد بريطانيا، التي كانت مازلت تحتل مصر ولديها نحو 80 الف جندي في إقليم القناة، وربما ذلك أيضا يفسر مشاركة جماعة الإخوان - صنيعة بريطانيا- في دعم ثورة يوليو منذ البداية، بل هناك من يذهب إلى أن الثورة كانت بترتيب بين بريطانيا والإخوان وأن الظباط الأحرار كانوا الجناح العسكري للإخوان قبل أن تنقطع السبل بين الجماعة والضباط الأحرار على من ينفرد بالحكم، ويقول محللون إن الترتيبات قبل ثورة يوليو تفسر قرار الغامض الذي اتخذه مجلس الدولة عام 1951 بإلغاء حل جماعة الإخوان المسلمين الذي أصدره الملك عام 1947، وهو ما قد يعكس أن تفاهمات رباعية جرت بين عبدالناصر ورفاقه وجماعة الإخوان وبريطانيا وامريكا على الاطاحة بحكم الملك فاروق تحت شعار "دعه يعمل دعه يمر".

القاعدة: «بعد الانتصار يبدأ الشركاء في العراك على توزيع الغنائم» .. انتصرت حركة الضباط الأحرار بأقل الخسائر، وتولت الحكم، بعدما أدرك الملك فاروق حدود موقعه، وأن قرار الإطاحة به تم عبر قيادات الجيش، وبمباركة بريطانيا والدول الغربية، التي لم تعادي ما جرى - فالصمت دليل الرضا والقبول - ورغم أنه كان يملك ولاء الحرس الملكي، لكنه فضل الرحيل عن إسالت دماء المصريين - وسواء اختلفت مع الملك أو اتفقت معه فهذه نقطة تحسب له - وفي السنوات الأولى لثورة يوليو كانت العلاقة بين الاخوان والضباط الأحرار «سمن على عسل» بل وكان «سيد قطب» مستشار لمجلس قيادة الثورة ومن المقربين للرئيس جمال عبدالناصر، إلا أن الخلافات بدأت عندما سعت جماعة الإخوان - الظهير الشعبي لثورة يوليو - سعت إلى التحكم في «مجلس قيادة الثورة» وهو ما رفضه عبدالناصر ورفاقه، وفضلوا التخصل من الشريك المزعج، ثم سعت جماعة الإخوان إلى زرع الفتنة بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، عبر تقوية طرف على الآخر، وبرز ذلك بقوة في صراع «الرئيس محمد نجيب - القائد جمال عبدالناصر»، وهو ما ينقسم لمرحلتين، مرحلة الوفاق وايحاء الإخوان إلى «عبد الناصر» باصدار قرار: «حل الأحزاب السياسية» وهو قرار ظاهره التخلص من البشوات والاقطاعيين من أعداء الثورة وخصومها، وباطنه أن عبدالناصر وجماعة الإخوان وجدوا أنه في حال إجراء انتخابات برلمانية حرة سوف يعود الوفد والبشوات للحكم مرة أخرى، ثم مرحلة الصراع، وأصدر الرئيس عبدالناصر قرارا بحل جماعة الإخوان عام 1954 بعد سيطرته على جميع مقاليد السلطة، وانتصاره في مواجهة تحالف «الإخوان - محمد نجيب»، خاصة بعدما أراد الأخير إجراء إنتخابات برلمانية وتسليم السلطة لحكومة منتخبة من الشعب وتحقيق المبدأ السادس للثورة: «إقامة حياة ديمقراطية سليمة»، وهو ما رفضه عبدالناصر ورفاقه وتم إصدار قرار بحل الأحزاب السياسية ثم إنشاء التنظيم الواحد «الإتحاد الاشتراكي»، وبعدها تم وضع «محمد نجيب» تحت الإقامة الجبرية وتحول من واجهة ثورة يوليو، وأول رئيس للجمهورية الوليدة، إلى عدو عبدالناصر وبالطبع نالته اتهامات عديدة لا تليق ولا تصح أن تقال لقائد عسكري كان أول رئيس لمصر، وكان اللواء محمد نجيب قبل ثورة يوليو يملك تاريخ ناصع البياض، لكنها السياسة التي تشوه كل شئ وتلوثه، عندما تتعارض المصالح.

المفارقة: «الغرب مع استمرار حركات التحرر وانتهاء الاستعمار، ومع دوران عقارب الساعة عكس الإتجاه» .. كان الغرب ومازال يصمت على الثورة التي يرى أنها تحقق مصالحه .. ثم أي حاكم جديد لا يحقق المصالح الاستراتيجية لدول الإستعمار القديم يثير الغرب ضده الفتن والقلاقل، وفي كثير من الأحيان يدعم قاده آخرين ضده - هذه قاعدة يعمل بها حتى الآن - لذا شهدت عدد كبير من الدول الأفريقية والأسيوية واللاتينية انقلابات عسكرية متكررة ضد أنظمة حكم لا تدين للغرب بالولاء ولا تعترف له بالرعاية وفقا للنظام العالمي الجديد الذي وضع في حقبة ما بعد الإستعمار التقليدي والمباشر، لاستبداله بـ«استعمار الوكلاء»، وهو ما يفسر انقلاب الغرب خاصة أمريكا على «جمال عبدالناصر»، وتحولت واشنطن من الإشادة به إلى انتقاده، ومن تقديم الدعم والمساندة له إلى العداء معه، الأمر الذي يراه البعض أن «عبدالناصر» بعد وصوله للحكم بدأ يرفض التبعية للغرب وسعى لأن يكون له مشروعه الشخصي وقام بتحركات في اتجاهات متعددة، البعض يرى أنها كانت تنطوي على طموحات كبيرة، تحركات أكبر مما يمكن أن يسمح به الغرب، وشهدت تلك المرحلة أخطاء كبيرة من عبدالناصر ونظامه ورطت مصر فيما هو أكبر من قدراتها، ومنحت أعداء مصر فرصة للاجهاز عليها وعلى مشروعها الوطني والقومي سواء في حرب 1956، وحرب اليمن، وأخيراً كانت هزيمة 1967 التي تسببت في احتلال سيناء إلى جانب استيلاء الصهاينة على كامل فلسطين والأردن وجنوب لبنان والجولان السوري.

بعد رحيل «عبدالناصر» جاء الرئيس «انور السادات» ليدشن مرحلة جديدة من العلاقات مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بالاعتراف الشهير للرئيس الراحل: «99٪ من أوراق اللعبة في يد أمريكا».. وحتى هذه اللحظة لا يمكن أن يحسم أحد على وجه اليقين أن كان هذا التصريح تسليم واستسلام وارتماء في حضن أمريكا، أم أنه كان مناورة وخداع لأكبر دولة في العالم، فالغموض مازال يحيط بموقف السادات، وجاء انتصار أكتوبر العظيم ليظهر عظمة الجندي المقاتل المصري ويرسم مرحلة جديدة من شكل الحكم في مصر، يعتمد على عنفوان الرئيس المنتصر وما صاحبه من ثقة كبيرة تارة وأخطاء الغرور تارة أخرى، والتي بدأت بالإفراج عن عناصر جماعة الإخوان «صنيعة الغرب» بناء على مطلب امريكي من السادات شخصياً، فوافق السادات لكسب ثقة أمريكا، ومساعدة السادات في مواجهة اليسار وأبناء عبدالناصر الذين هاجموه، ولأن الإخوان صنيعة الغرب ويأتمرون لأمره ويحققون أهدافه القريبة والبعيدة، انقلب الإخوان على السادات وتحالفوا مع «الشيعويين» أو «اليساريين المتطرفين»، وخاب ظنه بعدما ظن أنه اذكى منهما معاً، ولا يعرف أن الريموت كنترول الخاص بهما في يد الغرب، وهي نفس الخسارة التي تورط فيها السادات عندما نفذ للغرب مطالبه بمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، فأصبح الغرب ليس في حاجة له خاصة بعدما بدأ يبحث عن مشروعه الشخصي كما رفيقه عبدالناصر، فتحرك كل الاضاد وتحالفوا للتخلص من «بطل الحرب والسلام»، في مشهد درامي لا يتكرر كثيراً إلا عبر المثل الشعبي الشهير: «المصالح تتصالح» .. ودفع السادات روحه مقابل مشروعه واعتقاده أنه اذكى من الجميع بما فيهم أمريكا وإسرائيل.

رحل السادات وجاء مبارك أحد ابطال حرب أكتوبر، ليعقد اتفاق غير مكتوب مع الغرب، مفاده بقاء الوضع على ما هو علية، وهو أمر شديد الخطورة على مستقبل الدولة .. أي دولة .. فالعالم كان يتسارع للإمام بينما مصر - محلك سر - تركت فريسة سهلة للفساد وصراعات المماليك الجدد وناهبي ثروات الوطن، وتم تأجيل علاج اغلب الملفات وبدأ السوس ينخر في الجسد الصامت، بينما بقيت سيناء بلا تنمية وكأننا امام اتفاق غير معلن مفاده تعود سيناء ارض بلا وجود حقيقي للشعب المصري، ويحسب لمبارك فقط أنه لم يقترب من مكتسبات البسطاء والغلابة وظلت الأسعار في متناول جميع أبناء الشعب وحفاظه على الأمن القومي المصري دون الدخول في أية حروب، هذا لم يعجب الغرب وبدأت في سنوات حكمه الأخيرة ترسيخ قاعدة سياسية مفادها: «الغرب خاصة امريكا يتعاون مع السلطة في مصر ومع المعارضة في ذات الوقت .. حيث يستخدم المعارضة ورقة لابتزاز السلطة .. وأيضا يجهزها كبديل إذا ترآت الحاجة لذلك» .. وبالفعل منذ 2005، وبعد تكرار مبارك لخطأ السادات، وعقده اتفاق سري مع الإخوان مفاده: «نسبة من حصة البرلمان مقابل الولاء لمبارك وأسرته» .. ومع حصولهم على 88 مقعد في مجلس الشعب بدأ الامريكان فتح خط اتصال مع الإخوان - صنيعتهم القديمة - كبديل محتمل لمبارك أو أداة للضغط علية لتنفيذ أجندة الحلف الصهيوامريكي، ثم تطور الأمر لاحقاً مع وصول بارك أوباما للحكم في أمريكا عام 2008، وتم إعداد الإخوان ليكونوا وقود مشروع التغيير في المنطقة بالكامل، فيما يعرف بتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، وفي تلك الأثناء كان مبارك أصبح بلا فائدة للغرب وبات أكثر صلابة في رفض مطالبهم من مصر، ولم يعد لديه ما يقدمه ضمن مشروع سيادة إسرائيل على المنطقة.. معلناً انتهاء زمن التنازلات المجانية.

مبارك الذي رفض إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في مصر انتصارا لمبادئه العسكرية، في قرار جاء تتويج لتوتر علاقته بواشنطن الذي بدأ منذ أواخر حكم جورج بوش الابن - بعدما لم يعد لدية تنازلت جديدة يمكن أن يقدمها - بات يعاني من انقسام وتصدع في أركان نظامه، وصراع بين فريقين أحدهما قديم والآخر جديد، أحدهما يرى مصلحته في توريث الحكم لـ«جمال مبارك»، والآخر يرى مصلحته في إفشال مخطط التوريث والإبقاء على الطريقة التقليدية في اختيار رئيس مصر التي تم وضع قواعدها منذ ثورة يوليو 1952، ولم ينشغل أحد منهما بمصلحة مصر ومستقبل الدولة، فقد كان يشغلهما موقع كل منهما من السلطة ومكتسباته الخاصة والخاصة جداً، لذا عندما اندلعت ثورة يناير 2011 تخلى الجميع تباعا عن السفينة الغارقة، ثم بدأنا مرحلة شديدة الخطورة مع الغرب الذي أراد التهام مصر، واجبارها على تنفيذ أجندة جديدة من التنازلات لصالح أعداء القاهرة وخصومها ومنافسيها، وتدخل وفقا لتصريحات احمد القطان السفير السعودي السابق في مصر لفرض فوز الدكتور «محمد مرسي» مرشح الإخوان بانتخابات الرئاسة على حساب الفريق «أحمد شفيق» الفائز الفعلي، مرجعا ذلك لضغوط مارستها السفيرة الأمريكية بالقاهرة على السلطة الحاكمة للبلاد - في ذلك الوقت - لتبديل النتيجة، وهي تصريحات تتوافق مع ما أعلنه «عبدالمنعم أبوالفتوح» القيادي الاخواني المنشق بأن الامريكان هم من ضغطوا على الإخوان أو اتفقوا مع الإخوان للترشح لانتخابات الرئاسة في 2012 بعدما كانوا لا يرغبون في الترشح، وأن شئت قل أن هذا جزء من المخطط، وهو أمر شديد الخطورة وينطوي على دلالات مرعبة!!.

مع تسارع فشل الإخوان في الحكم بدأت امريكا تمارس لعبتها القديمة الجديدة: «تدعم الإخوان وفي نفس الوقت تضغط عليهم، تتواصل مع جبهة الإنقاذ بقيادة محمد البرادعي وعمرو موسى والسيد البدوي وحمدين صباحي وفي نفس الوقت تعلن احترام السلطة المنتخبة».. وهي لعبة الابتزاز والمصالح .. ومع انطلاق وعي المصريين والتصدي لمخطط تقسيم مصر، ونجاح 30 يونيه 2013 في إسقاط حكم الإخوان المحمي غربياً، انطلقت مرحلة من العداء المكتوم بين القاهرة وواشنطن، بدأت بعدم الاعتراف بثورة 30 يونيه وصولاً للحصار الإقتصادي، ومع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي للسطة بدأت من جديد عواصم الغرب تمارس مبدأ المقايضة، «خد وهات» وعاد الغرب يتعامل مع الإدارة المصرية بأن لدينا مطالب محددة واجبت النفاذ مع عدم منح الحكم في مصر الإعتراف الكامل كنوع من أنواع الابتزاز، وفي تلك الفترة واجه النظام المصري موقفين خطيرين هما: «حصول السعودية على جزيرتي تيران وصنافير وسط رفض شعبي واسع وتوقيع اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة الأثيوبي وسط مخاوف من تأثير ذلك لصالح إسرائيل سواء تحول خليج العقبة لممر مائي دولي وتراجع تحكم مصر فيه أو وصول مياه نهر النيل إلى الكيان الصهيوني»، ربما تغير الأمر بشكل إيجابي مع تولي دونالد ترامب الحكم في أمريكا «يناير 2017 - يناير 2021»، وتنفس النظام في مصر الأكسجين بعدما عقدت معه مجموعه من التفاهمات، إلا أنه مع وصول «جون بايدن» للحكم، توترت العلاقات مجدداً وباتت واشنطن أكثر شراسة في التعامل مع القاهرة وتسعى لممارسة ضغوط واسعة على مصر، وأمتد الأمر لعدد من الملفات في علاقتنا سواء مع الأوروبيين أو بعض الشركاء الإقليمين الخاضعين للرعاية الغربية، لنجد أنفسنا نعيش مرحلة جديدة من الصراع بين القاهرة وواشنطن وعدد من العواصم الغربية، يتحرك فيها الغرب عبر استغلال أخطائنا الداخلية كوسيلة للابتزاز، علاوة على أنه مع تدخلات صندوق النقد الدولي بات هناك مجموعة من الإجراءات التقشفية تثير غضب العامة الذين اُنهكوا خلال السنوات الأخيرة من زيادة وتيرة الضرائب والرسوم وغلاء الأسعار، ثم جاءت الحرب ببن روسيا وأوكرانيا لتضيف بعد جديد للعلاقات المصرية مع دول الغرب بقيادة أمريكا وبريطانيا .. فهل لدى مصر اوراق تستطيع بها ملاعبة الغرب المتحفز؟، هل ترفض القاهرة مجددا مطالب واشنطن وتذهب إلى الصدام، ما هي اوراق المناورة التي يمتلكها كل طرف، فالتاريخ والواقع والمستقبل، يقولوا أننا أمام مشروعان مختلفان، أحدهما يريد الهيمنة منذ عقود ويرفض أي صحوة مصرية، والآخر يتأرجح أحيانا بين القفز للامام خطوات طموحة بحثاً عن «زعامة نستحقها» .. غالباً ما كانت تصطدم بـ«رفض غربي»، وبين «تبعية متعددة الألوان» لكنها لم تنجوا من غدر «السيد الغربي» الطامع دائماً، أوراق اللعب محدودة على طاولة يحكمها العداء أكثر من التفاهم .. الأيام القادمة كاشفة.

صفوت عمران مصر والغرب صراع التبعية والزعامة محمد علي باشا مصر الحديثة دولة المماليك

رأي الحدث

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 18.830318.9083
يورو​ 19.182419.2638
جنيه إسترلينى​ 22.554922.6560
فرنك سويسرى​ 19.360819.4430
100 ين يابانى​ 13.858013.9165
ريال سعودى​ 5.01595.0370
دينار كويتى​ 61.165161.5746
درهم اماراتى​ 5.12645.1481
اليوان الصينى​ 2.80762.8226

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 1,126 شراء 1,137
عيار 22 بيع 1,032 شراء 1,042
عيار 21 بيع 985 شراء 995
عيار 18 بيع 844 شراء 853
الاونصة بيع 35,010 شراء 35,365
الجنيه الذهب بيع 7,880 شراء 7,960
الكيلو بيع 1,125,714 شراء 1,137,143
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الأربعاء 08:31 صـ
25 صفر 1447 هـ 20 أغسطس 2025 م
مصر
الفجر 03:52
الشروق 05:25
الظهر 11:58
العصر 15:34
المغرب 18:32
العشاء 19:54

استطلاع الرأي